أكلّم مين فى مصر؟

مين المسؤول هنا؟.. أكلم مين يا حضرات؟.. لا أحد يجيبك حتى لو صرخت بالصوت الحيانى.. كل مصالح ومؤسسات البلد فى حالة فوضى عارمة.. وكل مدير أو رئيس مصلحة ينظر الآن إلى أعلى فلا يجد من يقود أو يستطيع أن يتخذ القرار.. الهرم الآن مقلوب تماما.. الرئيس اختفى فاضطربت الحياة.. ويبدو الأمر سابقا كما لو كان الثمانون مليون مصرى ماشيين داخل هرم، وكلهم ينظرون إلى الراجل الكبير قوى.. ينتظرون إشارة منه فى كل نواحى الحياة.. من أول «المنحة يا ريس» إلى «الديمقراطية والنبى يا ريس».. كل العاملين يتطلعون إلى رئيس القسم.. ورئيس القسم إلى المدير.. والمدير إلى المدير العام.. والمدير العام يتطلع إلى وكيل الوزارة.. ووكيل الوزارة إلى السيد الوزير.. والوزير إلى رئيس الوزراء.. وكلهم يتطلعون إلى الرئيس القائد والملهم والمفدى.. وكل شىء مرهون بالرئيس.. فإذا اختفى الرئيس.. نعيش أحلى عصور الهرجلة.. وتلك آفة الديكتاتورية التى نتعافى منها..

ويبدو أننا لابد أن ندفع الثمن فى المرحلة الانتقالية.. اضطراب وفوضى حلزونية لا مثيل لها.. والناس لايصة ومحتاسة.. و«شرقانة» للعدالة ولاسترداد الحقوق الضائعة عبر عشرات السنين.. والجميع فى حالة هياج ويستعجلون جنى الثمار.. قرشين زيادة.. عقد عمل.. شقة فى مساكن الإيواء.. قرار علاج مجانى.. وأنتم تعرفون باقى أحلام الناس البسيطة والمتواضعة جدا.. إنهم يبحثون الآن عن السيد المسؤول.. أى مسؤول.. والمسؤولون جميعا تحت ضغط الغضب الشعبى العارم.. يخافون من مسؤولية اتخاذ القرار فى هذه الأيام المرعبة، التى يساق فيها رؤساؤهم إلى النيابة.. زرافات وأفرادا.. ويقفون وراء القضبان ويُرحَّلون إلى السجون.. مشاهد أكبر من خيال المخرج المصرى الشهير حسن الإمام أو المخرج العالمى الشهير ستيفن سبيلبيرج.. ولكن هذه المشاهد، وإن كانت تذهلهم، إلا أنها لم تشف غليلهم تماما.. فالتهم الموجهة إليهم عبيطة حتى الآن.. وأغلب المدانين يبدون استعدادهم لرد المبالغ محل الاتهام.. أين إذن تهم الإهدار الخرافى للمال العام.. والسرقات المليونية والمليارية.. وأين جرائم الخيانة العظمى؟..

مازالت الأصوات تصرخ وتدين فى ميدان التحرير.. وهو الميدان الذى يغلى بالأمواج البشرية الباحثة عن العدالة وعن الحرية.. وقد رأيت فى الجمعة الماضى عجبا.. النساء الغاضبات يتزايدن ويصرخن فى وجه الظلم السياسى والاقتصادى والاجتماعى.. ويحذرن الحكومة بعنف.. بل يحذرن أزواجهن بتوعد غاضب.. احذروا ثورة النساء.. لا مظالم بعد اليوم ولا إهانات ولا ضرب للمرأة.. انتهى عصر الزوج المرعب.. انتهى عصر سى السيد.. انتهى عصر الوصاية.. وأنت أيها الرجل عندما تتأمل هذه الصيحات تتأكد أن تلك هى ضريبة الديمقراطية والحرية.. وعموما هى أقل تكلفة بكثير جدا من الضريبة العقارية.. وكل هذه الأشياء تفاصيل أمام أكبر مكسب حصل للشخصية المصرية.. وهو أنها تقترب من أن تكون شخصية مستقلة ومسؤولة.. فإذا ما جاء التتار إلينا مرة أخرى وسأل كبيرهم.. أكلّم مين فى مصر؟ سوف يجد مليون بيبرس يدفعون بمليون قطز جديد ليقول لهم: أنا.. أنا مصرى.